حكومات ما بعد الثورة

كتب: أحمد الشوبكي
بتاريخ: 25 مايو 2013
مَرَّ أكثر من عامين على اندلاع الثورة المصرية التي كان شعارها عيش..حرية..عدالة اجتماعية، وجَاءَت الثورة بعد تردي الأوضاع الاقتصادية للمواطنين بالتزامن مع زيادة القمع والظلم والتحضير لمشروع التوريث، لكن يبدو أن التغيير جاء مخيبًا للآمالِ حيث أصبح الانفلات الأمني وانهيار الوضع الاقتصادي وتردي الخدمات أبطالَ مرحلة ما بعد الثورة وجَاءَ تغييرُ الحكومات السريع الذي تضمَّن تغييرات بداخلِها  كمحاولات بائسة لاحتواءِ الموقف وإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
توالت الحكومات بعد الثورة، فجَاءَت ثلاث حكومات مختلفة، يحمل كل منها الأولويات نفسها، وإن اختلف طرقها ورؤاها للحلول. وكانت أول حكومة بعد التخلص من نظام مبارك هي وزارة الدكتور "عصام شرف" التي كَلَّفَها المجلس العسكري في ٣ مارس ٢٠١١ وسط موجة من الاحتجاجات للمطالبة بإسقاطِ وزارة "أحمد شفيق" التي اعتبرها الجميع مطلبًا من مطالبِ الثورة، وأقسمت وزارة "شرف" اليمين الدستوري يوم ٧ مارس، لكن سُرعان ما ظَهَرَ ضعفُ الحكومة وقصورُ رؤيتها؛ فلم تَضِعَ حلولاً لأيةِ مشكلة كما جاء على لسانِ الرئيس السابق لحزب الجبهة "أسامة الغزالي حرب" في تصريحاته للمصري اليوم مؤكدًا أن حكومةَ ما بعد الثورة لابد وأن تكون انعكاسًا للقوى الثورية، مشددًا على أن الوزارة ضعيفة جدًا ولا ترقى إلى أن تكون حكومة ثورية تحقق مطالب الثوار.
هذا وقد قام "شرف" بتغييرين وزاريين، رغم أن هذه التعديلات حملت أسماءً بارزة كحازم الببلاوي وعلي السلمي، لكن هذه التغييرات جات معبرة عن تخبطٍ بالغٍ في إدارة الأزمة الاقتصادية والأمنية، فتزايدت الاحتجاجات الفئوية بشكل يومي. وفي هذا الصدد، أصدرت ٢٥ حركة وحزبًا بيانـًا توافقيًا في ١٤ يوليو ٢٠١١ يُطالِبُ بإقالة حكومة "شرف" وتعيين حكومة تكنوقراط تستطيعُ مواجهة الأزمات التي تمر بها مِصرَ، ووَقَّعَ على هذا البيان مجموعة من الشخصيات العامة ومنهم محمد البرادعي، وعمرو موسى، وحمدين صباحي، وأيمن نور، وهشام البسطويسي وحسام عيسى والمخرج خالد يوسف، إضافةً إلى عددٍ من التيارات والائتلافات والحركات السياسية والشبابية الأخرى، وتحتَ ضغطِ الشارع في ظلِ تردي الأوضاع على كافة الأصعدة، استقالت حكومة "شرف" نهائيًا في ١ ديسمبر ٢٠١١، ليُطرح اسم "كمال الجنزوري" كأبرزِ المرشحين لمنصب رئاسة الوزراء في ٢ ديسمبر ٢٠١١، وتم تغيير ١٦ وزارة والإبقاء على ١٣ وزيرًا من حكومة "شرف"، وقد أبدى الجنزوري اهتمامَه بالوضعِ الاقتصادي، ووَعَدَ بإيجادِ حلول جذرية لمواجهة تحديات الأزمة كما جَاءَ على لسانِ "أسامة صالح" وزير الاستثمار وقتها، حيثُ صَرَّحَ فى بيان رسمي أن مصر مازالت قادرة على تخطي ظروفها الاقتصادية الدقيقة، بقليل من الصبر وكثير من العملِ والإنتاجِ.
لم تستمر حكومة الجنزوري طويلاً وبَدَأَ انتقادها منذ اليوم الأول لتوليها الوزارة وخصوصًا من جماعة الإخوان بعد الطعن على دستورية مجلس الشعب، وجَاءَت اعتراضاتهم على الحكومة في شكلِ بيان لها يتضمن ٨ أسباب لسحب الثقة من الحكومة.
وعلى الجانب الآخر، لم يلتفت الجنزوري لهذه الانتقادات واستمر في الوزارة محققًا تقدمًا أمنيًا طفيفًا، فقَدَّمَ أرقامًا كضبط ٢٣ ألف هارب من السجون إلى أن انتهت الانتخابات الرئاسية التي أتت بمحمد مرسي رئيسًا للجمهورية الذي كَلِّفَ بدوره الدكتور "هشام قنديل" بتشكيل الحكومة لتكون الثالثة بعد الثورة والتي تتحمل إرثَ فشل الحكومات السابقة.
عَبَّرت القوى السياسية والثورية عن رفضها لاسم قنديل الذي لم يظهر اسمه أبدًا في الحياة السياسية إلا في ٢٤ يوليو ٢٠١٢ كوزير للري والموارد المائية، وعَكَسَ تعيينه بهذا المنصب "تخلف" وهراء إخواني كما وصفته إنجي حمدي عضو المكتب السياسي لحركة ٦ أبريل في تصريح لجريدة اليوم السابع. 
كَلَّفَ قنديل ٢٦ وزيرًا جديدًا مُبقيًا على تسعة وزراء من حكومة الجنزوري، وجاء التغيير الأخير لقنديل عديم القيمة والتأثير على حدِ قول أنور السادات، رئيس حزب الإصلاح والتنمية، حيث أَكَّدَ أن أي تغيير وزارى لا يشمل قنديل نفسه لا يمثل أى إضافة.
وهكذا يستمر الوضع السياسي والاقتصادي في التدهور في ظل انعدام الشفافية ومحاولات السيطرة على الدولة دون الالتفات للمواطن، وإعلاء مصلحة الإخوان على مصلحة الوطن، فزادت في المرحلة الأخيرة حدة الاستقطاب السياسي والتظاهرات وأحداث الاتحادية والمقطم وحصار المحكمة الدستورية يصاحبها انهيار في قطاعات الأمن والاقتصاد وهكذا نوشك على الانهيار التام وعلى أبواب ثورة جديدة، فقد تغيرت الوجوه... والفشل واحد.