الاستيلاء على "صحراء النقب" حلم من أحلام إسرائيل، ذلك الكيان الصهيوني المُغتصب الذي طالما بنى أمجاده على جثث ودماء الأبرياء مستخدمًا كل الطرق، المشروعة وغير المشروعة، للوصول إلى أهدافه، وها نحن ذا على أعتاب نكبة جديدة تهدد تاريخ وجغرافيا المنطقة، بل والهوية العربية بأكملها في غفلة من الشعوب، ودونما اكتراث أو اهتمام من الحكومات العربية التي انشغلت بتوتراتها ونزاعاتها الداخلية. وقد استغلت إسرائيل هذه الظروف العصيبة التي يمر بها الشرق الأوسط، وانتهزت الفرصة لبدء تنفيذ مؤامرة توسعية في "صحراء النقب"، تلك المنطقة الصحراوية التي تقع جنوب فلسطين،وتبلغ مساحتها 14,000 كيلو متر مربع، وتقطنها الكثير من العشائر والقبائل العربية التى ترتبط إرتباطا إجتماعيا بقبائل شبه الجزيرة العربية والأردن وسيناء، حيث شُكلت لجنة أُطلق عليها "لجنة برافر"، ويرأسها "إيهود برافر" مدير تخطيط رئيس الوزراء الإسرائيلي، والتي قدمت بدورها توصيات للحكومة في 31 يونيو 2013 لتنظيم إسكان البدو في صحراء النقب لتكتب بدم بارد تشريد وتهجير آلاف المواطنين الفلسطينيين.
جاء إيهود برافر ولجنته بخطة شيطانية تقضي بتهجير 22 قرية فلسطينية من أصل 39 قرية يقدر سكانها بحوالى 35,000 نسمة إلى 7 بلدات بنتها الحكومة الإسرائيلية، ويهدف تهجير السكان الأصليين من منازلهم وأراضيهم إلى بناء مشاريع إسرائيل التوسعية التي تُعد خطوة في فصل الدولتين، هذا وقد تكونت تلك اللجنة في الأساس بغرض استكمال اتفاقية "جولدبرغ" التي أوصت بالاعتراف بالقرى العربية غير المعترف بها بقدر الإمكان، ولكن ذهبت برافر إلى أبعد من ذلك بكثير حيث لا رادع ولا حسيب، فالدول الكبرى التي تتحدث عن الحريات ليلا ونهار تغض الطرف عن القضية الفلسطينية برمتها، بل وتنحاز إلى إسرائيل المُغتصِبة دائمًا فى جلسات مجلس الأمن، أما الدول العربية فمشغولة في توتراتها الداخلية وأوضاعها المتردية. وقد رأى الكثيرون أن تمرير القانون الذي أوصت به "لجنة برافر" يعتبر بمثابة إعادة إنتاج للنكبة، فقد طُرد 750,000 فلسطيني عام 1948 من أراضيهم ومنازلهم وتم محو الأسماء الجغرافية العربية واستبدالها بأخرى عبرية وهو ما يتكرر بحذافيره الآن؛ لذا فهى كارثة إنسانية جديدة وانتهاك صارخ لحقوق الإنسان وتعدي سافر على العرب جميعًا وخطوة على طريق الخطط الصهيونية التوسعية في المنطقة العربية. أما عن التسوية، فهي بالتأكيد غير عادلة ومنحازة بشكل كامل للكيان الصهيوني كسابقاتها من التسويات، وهي تنص حسب القانون الذي صادق عليه الكنيسيت بنسبة 43% مؤيد مقابل 40% معارض على تعويض السكان المالكين للأراضىي قبل عام 1979 بمبالغ مالية ضئيلة على أن تتقلص هذه التعويضات تدريجيًا إلى صفر خلال خمس سنوات، وإذا لم يتم الاتفاق تُصَادر الأراضي وتُعتبر مملوكة للدولة. هذا وقد وضعت إسرائيل العراقيل والعقبات في وجه من يقبل التسوية، حيث اشترطت إحضار جميع الورثة لإثبات ملكية الأرض.
وهكذا يتعرض العرب للمهانة يومًا بعد آخر وعامًا تلو العام ولا أحد يحرك ساكنًا، فها هو الكيان الصهيوني يستغل الظروف التي تمر بها الشعوب والدول العربية ليبنى لنفسه مجدًا جديدًا فوق جثث العرب ودمائهم ويحقق نصرًا زائفًا في غفلة من الزمان، وها نحن ذا نُصاب بالصمم والعمى مرةً أخرى؛ فلا نسمع ولا نرى أن شرف الأمة يُنتهك يوميًا على مرأى ومسمع من الجميع. ألا تستيقظون يومًا واحدًا؟! ألا تفيقون من غفلتكم؟! إن مَنْ يعتقد أن الأمر بعيد عنه ويخص الفلسطينيين فقط هو مخطىء ولا شك؛ فمشروع "برافر" خطوة من خطوات الصهاينة للاستيلاء على باقى الوطن الذي يمتد حسب زعمهم من النيل إلى الفرات. ألا يخرج عاقل من حكامنا ليقول بصوت عال أن مشروع "برافر" لن يمر؟!