جتك نهضة تاخدك


بقلم: أحمد الشوبكي
اليوم: السبت، 5 يناير 2013

استيقظت اليوم مبكرًا في تمام السابعة صباحًا وهو نادرًا ما يحدث، ولذا أشعر بسعادة غريبة أشبه بالبلاهة، حيث ترتسم ابتسامة لا مبرر لها على وجهي، وبدأت على الفور الاستعداد للذهاب إلى العمل. وبما إن مكان العمل قريب من المنزل، فيمكنني احتساء فنجان من القهوة حتى أستطيع أن أفتح عيناي بطريقة طبيعية، وأملاً في هبوط هذا الانتفاخ العجيب تحتها. خرجت من المنزل، وبمجرد أن فتحت الباب، ارتطم بوجهي نسيم الصباح النقي الذي يبعث الحياة فيّ، ويوقظني فعليًا من النوم، وما أن ابتعدت عن منزلي عدة خطوات، حتى رأيت ذاك العجوز الذي أكاد أجزم أنه يقضي حياته كاملة على سلم بيته؛ فيأكل ويشرب ويترقب ويراقب ويضحك ويبكي ولا يكترث لحاله ولا أحد يهتم، وكثيرًا ما اعتقدت أنه يجسد الشخصية المصرية، وأحيانًا أجزم أنه مجنون كليًا و...

أنا: صباح الخير يا حاج.

العجوز: خير منين يا أخويا طول ما أنت واللي زيك موجودين!!!

وبما إني اعتدت هذا الرد كل يوم منذ سنتين تقريبًا، فلم يدهشني الرد ولم أشعر أبدًا بالضيق، بل انهلت عليه بالسلامات كل يوم وفي كل الأوقات كنوع من الدعابة وكان يستجيب لها دائمًا. وبعد أن ابتعدت عنه قليلاً، وهو لم يمنع نفسه من مراقبتي، وقبل أن أبتعد تبادر سؤال إلى ذهني: "لماذا لا تتوقف وتسأله؟" نظرت في ساعتي فوجدت فرصةً سانحةً لاقتناص حديث من الرجل العجوز في بداية اليوم، وقررت العودة إليه ومواجهته.

توقفت أمام العجوز مباشرةً ونظرت إلى تقاسيم وجهه التي رسمتها السنوات الطويلة، وثبتّ نظري على عينيه قائلاً:
- إزيك يا حاج؟

نظر إلى العجوز وتفحصني من أسفل إلى أعلى، ثم قال:
- أهلا يا سيدي! عاوز إيه؟

بكل ثبات وإصرار رددتْ عليه:
- عاوز أعرف أنت بقى لك سنتين بتدعي عليَّ ليه؟!

أشاح العجوز بوجهه بعيدًا وقال بصوت عالٍ:
- إنتوا عاوزين تمشوا الريس...!!!#@*^

أصابني صوت الرجل بشيء أشبه بتيار كهربائي مَرَّ في جسدي فجأةً، ورددت بكل سذاجة:
- علشان الإخوان المسلمين ضيعوا البلد يا حاج.

نظر لي نظرة استهجان وصاح مستنكرًا:
- يا ابني بقولك الريس ... الريس ... الله!!

ماذا يقصد بـ"الريس ... الريس!!"؟
- تقصد الريس مرسي؟!

- مرسي مين يا ابني؟ بقولك الريس! إنت حمار@#$%##@

صمتّ للحظة وقلت لنفسي: "أما إنك راجل مش محترم."
- ربنا يخليك يا حاج! إنت تقصد الريس مين؟ حسني مبارك؟!!

العجوز: أيوه حسني مبارك عاوزين تمشوه ليه؟

أنا: ما هو مشي خلاص يا حاج، وهو كان عاجبك فيه إيه؟!

وقلت ساخرًا -من نفسي في الحقيقة-:
- إنت ما سمعتش عن مشروع النهضة ولا إيه؟

رَدَّ العجوز وقد بدت عليه علامات غضب أشبه بتلك التي تظهر على المختلين عقليًا قائلاً:
- جتك نهضة تاخدك إنت واللي زيك في ساعة واحدة، مين اللي مشي؟! إنت صغير يا ابني وشكلك عبيط وغبي كمان، حسني مبارك ما مشيش، ده شال إيده من البلد وشريكه الطماع -في إشارة منه للإخوان المسلمين- خدها يا ابني وخربها أكتر ما هي خربانة، وإنتوا صغيرين وما تعرفوش مين هما الإخوان. قول لأصحابك إن مبارك ما مشيش، وقولهم كمان إن إخواتي الاتنين ماتوا في سيناء وأنتوا وقفتوا مع الإخوان علشان يبيعوها. روح يا ابني إلهي يخرب بيتك إنت واللي زيك...وقول كمان لأولادك كده، لما تتنيل وتجيب ولاد، إزاي حسن البنا بقى بطل في كتب التاريخ ومين السبب؟ وقول كمان إزاي القتلة اتكرموا وبقوا بهوات...هتلاقي كتير تقوله، بس لما تكبر يا غبي ابقى فهمهم إنك إنت السبب إن البلد دي تصغر وتتنازل أكتر ما كانت متنازلة، ولما تموت قول للشهداء إنكم سلمتوا البلد لعصابة دولية. عرفت أنا بادعي عليك ليه ولا أقول كمان؟! @$%&#@#$&!!
صُدِمت من هول الكلام والشعور بالغضب والإهانة والضيق، وقررت أن أكتم شعوري داخلي، وقلت لنفسي: "الله يخرب بيت الساعة اللي قررت أسألك فيها يا شيخ!!"

وتذكرت أنه من مؤيدي "أحمد شفيق". وحمدًا لله أني تذكرت عَلِّي أفسر الكثير، فأنا أشعر أنه يكن لي الكثير من الكراهية التي تتزايد يزمًا بعد آخر. لا أعلم إن كان انتقامًا مني على موقفي ضد شفيق أم ماذا. ولكن فجأة تراءت لي حقيقة أخرى لم تَجُل بخاطري قبل الآن، وهي: كلما زاد الإخوان خرابًا فب البلاد، زادت كراهية الناس لنا وكأننا من المساهمين في خراب هذا البلد.

انطلقت مسرعًا ناحية العمل تاركًا خلفي الرجل العجوز. انتابتني أفكارًا غريبة مختلطة ومتضاربة؛ مزيج من الاستغراب والحزن واللوم والألم، رأت صور الشهداء وألم الآباء وأحلام الشباب تتحطم. لم تفارقني مشاهد الثورة المؤلمة وأسئلة كثيرة. لماذا يلوموننا؟ لماذا ندفع الثمن دائمًا؟ لماذا نحن؟

وأخيرًا وصلت إلى مكان عملي لأجد ’قفلاً‘ كبيرًا على الباب من الأسفل وتوقفت دقائق أمام الباب أنظر إلى أعلى تارةً وحولي تارةً أخرى، إلى أن سمعت صوتًا لشاب يتحدث في هاتفه المحمول ويقول:
- النهارده السبت وأنا أجازة.

ردت لي روحي، وشعرت بالارتياح لمعرفتي سبب إغلاق الباب وقلت متحدثًا إلى نفسي كالمجنون:
- أيوه السبت أجازة...النهارده أجازة...أنا إيه اللي جابني هنا يا رب؟ اليوم اللي أصحي فيه بدري أتغم الغم ده كله!!

تأكدت وقتها أن بعض أمراض الشيخوخة قد تصيب بعض الشباب وتهلكهم وخصوصًا من يستخدم عقله كثيرًا.